في خطوة تشريعية مفاجئة، أعلنت الحكومة الجزائرية توجهها نحو "استحداث إجراء للتجريد من الجنسية الجزائرية الأصلية أو المكتسبة يطبق على كل جزائري يرتكب عمدا أفعالا خارج التراب الوطني، من شأنها أن تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية.
وأوضح بيان حكومي أن وزير العدل بلقاسم زغماتي، قدم عرضا الأربعاء لاجتماع الوزراء، لتعديل قانون الجنسية الجزائرية، الذي يعود تاريخ صدوره إلى 15 ديسمبر/كانون الأول 1970.
اقرأ أيضا
بعد حل البرلمان.. ما شروط الحراك الجزائري للمشاركة في الانتخابات؟
الجزائريون يعودون للشارع بروح 22 فبراير.. و3 سيناريوهات محتملة تنتظر الحراك الشعبي
من هو المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل الذي أقر ماكرون بقتله وتعذيبه على يد الجيش الفرنسي؟
وسيطبق القانون الجديد على كل شخص ينشط أو ينخرط في منظمة إرهابية، أو يقوم بتمويلها أو تمجيدها، كما يشمل كل من تعامل مع دولة معادية، وفق نص المشروع التمهيدي.
وأكد بيان الحكومة أن "الأحكام المنصوص عليها تبقى متوافقة مع الاتفاقيات الدولية المعمول بها في هذا المجال، والتي تضمن الحق في الطعن".
ومعلوم أن الرئيس عبدالمجيد تبون قد حلّ البرلمان الأسبوع الماضي، ما يعني أن القانون سيمر قريبا عبر أمرية رئاسية (أمر رئاسي) في غياب نواب الشعب، وفق ما تقتضيه السلطات الدستورية الرئاسية.
وأثار الأمر ردود أفعال سريعة وسط الرأي العام، حيث قرأت غالبية الحقوقيين والنشطاء السياسيين المبادرة في اتجاه ملاحقة معارضي الخارج، خاصة أن تحركاتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي أضحت المحرك الرئيسي للشارع، مع تجدد الحراك الشعبي منذ احتفالات الذكرى الثانية لثورة 22 فبراير/شباط 2019، بحسب مراقبين.
سابقة خطيرة
وكتب سمير بلعربي، الناشط المفرج عنه قبل فترة، على صفحته بالفيسبوك "إن عزم النظام سحب الجنسية من معارضيه في الخارج هو قمة الإفلاس والفشل… مهما اختلفنا مع بعضهم إلا أننا نرفض تماما هذه الإجراءات والممارسات…. هم جزائريون ولا يزايد عليهم أحد".
كما غرد الصحفي محمد سيدمو، بالقول "حكم الإعدام وسحب الجنسية سلطتان إذا امتلكهما الدكتاتور صنع الفظائع".
بينما سجل المحامي عبدالغني بادي موقفه مغرّدا " كان جزائريا وصار عديم الجنسية، إنها عقيدة لم نعرفها في أحلك الأزمات، تشكل تطاولا صارخا على حق المواطنة وانتهاكا لحقوق الإنسان".
وعلى منواله، نسج الناشط بالخارج رضا بودراع، فكتب "قام الاحتلال الفرنسي بتصفية قادة المقاومة الجزائرية، فجردهم من الجنسية ونفاهم في مختلف أرجاء الأرض من الشام إلى كاليدونيا الجديدة".
قسنطيني: القانون خطير جدا ويجب أن يمر عبر البرلمان والاستفتاء الشعبي (الجزيرة)
ثم عقّب "جدّي مؤسس الدولة الجزائرية المعاصرة، أنا جزائري بالدم والتأسيس، والجنسية ليست أوراقا".
من جهتها، كتبت المدونة ليلى مقري "مشروع سحب الجنسية الجزائرية من معارضين للنظام الجزائري، مقيمين بالخارج، سابقة خطيرة، ستمسنا جميعنا كمنتقدين لسياسة نظام غير شرعي. إن إجراء مثل هذا يتعارض كليا مع المواثيق الدولية التي أمضت (وافقت) عليها الجزائر".
على الجانب الآخر، رحبت شخصيات بالخطوة الحكومية، حيث نشر البرلماني السابق محمد الداوي، على صفحته يقول "منذ 6 سنوات تقريبا تقدمت بسؤال كتابي إلى الوزير الأول، طالبته فيه بضرورة سحب الجنسية الجزائرية من المسيئين للدولة الجزائرية في الخارج، فأجابني باستحالة ذلك، الحمد لله طلبي تحقق الآن".
كما ظهر الأستاذ الجامعي يحيى جعفري مؤيدا لخيار الحكومة، إذ كتب "مع إقراري بأن الجنسية هي أغلى ما يحوزه بشر من الملكية، ونزعها من نزع الروح، وإنفاذ ذلك لهو أقسى عقوبة وأقصى إدانة، كونه صُنو القتل، إن لم يكن أشد، لكن للأوطان كرامة وحرمة تستحق أن تصان ولو بالنفي البدني والقانوني، بل والقصاص إذا لم يكن منه بد، وصدر من جهة مفوضة بحق".
صفحة "بلادي" هي الأخرى احتفت بالمشروع، حيث نقرأ على جدارها "ضربات الحاج زغماتي عابرة للقارات… سحب الجنسية للخونة وبائعي الذمم".
ضمانات قويّة
على صعيد آخر، أكد الرئيس السابق للجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني، أنه "لا يمكن تأييد القانون ولا رفضه، لأن المشرع الجزائري سيد من حيث المبدأ، ولا يمكن لأحد أن يعترض على تشريع القوانين في الدولة".
غير أن قسنطيني صرح بعدم قبول إصدار عقوبة سحب الجنسية منفردة، بل يمكن تطبيقها فقط كعقوبة تكميلية لعقوبات أصلية، ناجمة عن جرائم تمس الأشخاص في حال إدانة قضائية ثابتة لجنح وجنايات عظمى قطعية، مثل الخيانة الوطنية والتجسس لصالح الأجانب بكافة أشكاله، أو أعمال إرهابية تدميرية ضد كيان الدولة والمجتمع.
وحذّر في تصريح للجزيرة نت من مطاطيّة عناوين الوحدة الوطنية، مؤكدا أنه "لا يمكن البناء القضائي في سحب الجنسية سوى عن وقائع مادية ترقى فعليا إلى مستوى العقوبة".
وأبدى، تخوفه من المساس بكرامة المواطنين وحرياتهم الفردية، من خلال تلفيق تُهَم قاسية نتيجة الدعاية والاختلاف السياسي أو التعبير عن الرأي والكتابات الصحفية، باعتبارها حقوقًا دستورية غير قابلة للتصرف من السلطة.
كما شدد على إلزامية تصرّف الجزائر كدولة قانون، وهو ما "يوجب توفير ضمانات قوية تمنع التعسف في تطبيق هذا القانون، وقبل ذلك أن يخضع لنقاش مجتمعي حقوقي موسع".
ولذلك رفض تماما الاستعجال في تمريره قبل انتخاب برلمان جديد ينوب عن الشعب، ولو اقتضى الأمر أشهرا عديدة، بل ذهب أبعد من ذلك، مقترحا عرض المشروع على استفتاء شعبي شفاف، لأن المسألة في غاية الخطورة، فهي بمثابة حكم بالموت المدني في حق الأشخاص، وفق تعبيره.
المصدر : الجزيرة