سلوك يتحكم بنا ونحن لا ندري / د.محمدعالي الهاشمي

جمعة, 26/02/2021 - 13:27

لفت انتباهي ان الموريتانيين  لديهم اقترانات عن بعضهم بعضا. مثلا (قبيلة كذا توصف بالبخل، والقبيله كذا خفة الدم، وقبيله اخري بالغدر، وقبائل بالكرم والشجاعة والعلم والعقل .....).

هذا يسميه،  السيكولوجيون، صورا نمطية تاخذ شكل قوالب تعميمية جاهزة نستخدمها دون تفكير، ومشكلتها أنها تتحكم بسلوكنا دون أن ندري.تأمل ذلك حين نقول لك ان فلانا من قبيلة كذ.. مثلا، او القبيله الفلانيه.. فانك تستحضر في الحال وصفا له او حالا.

* الصور النمطية موجودة في مجتمعات كثيرة الا ان ما يتداول في موريتان  مقترن بالنظم السياسية التي تعمل على بث الفرقة والسيطرة كما حدث في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حيث توجهت الحكومة ببث بعض الشائعات والاكاذيب بين أبناء الوطن .

* انا وجدتها في شعوب اخرى ولكن طريقة الطرح تعتمد عندها على المزاح والملاطفة بعيدا عن العنصرية فيما الموريتانيون يستخدمونها للتقليل من شان الاخر.

* سمعنا عن بخل القبيله كذا وعقل اهل فلان ، وعن كرم قبيلة كذا... هي سمات جرّبها الاخرون وتكررت عبر الزمن فاصبحت ملازمة توصيفية لتلك القبائل. اما اسبابها فهي الحيف والظلم.

واورد هنا مثلا عن وقاحة وتخلف المجتمع بعض القبائل تمتهن نوع من الأعمال لتسد به قوتها وتساعد في نهضة المجتمع زراعيا او صناعيا او تنمويا .........بدل تشجيعهم من طرف المجتمع يقوم بتصنيفهم اجتماعيا.

لدينا مشكلة جدا كبيرة في مجتمعنا وهي موضوع التعميم يقولون لك فلان من هذه القبيله يقول لك كذا وكذا، تقول له لماذا تقول هذا، يقول لك هم كلهم هكذا.

* كلامك لا يعمم على الجميع فكل شخص وما تربى عليه,ولا يوجد على الأرض مثل الموريتاني في شجاعته ونخوته، لكن الظروف التي مر بها جعلته يقّصر في بعض صفاته الحميدة التي لا يمتلكها غيره، وهي الحب والاحترام والتكافل والكرم  .......

* الموريتانيون عندهم طبع الشمولية في الحكم، بمعنى حادث لشخص من عائله معينه يطلقونه على كل العائله، وتتوارثه الأجيال فيكون صفة لازمة لهم.

* على الرغم من انها موجودة عند كل الشعوب الا ان لها مذاق خاص لاذع عند الموريتانيين، وغالبا ما تقدح نار الكراهية والحقد على شكل صراعات مدمرة وهذا ما يميز مجتمعنا.

* للأحداث التاريخية اثر بالغ في صنع السلوك الذي ينتقل عبر الأجيال، مثلا البعض قد يتحول الي فكاهه كما يفضل آخرون مهنة النميمه وتصنع الاحداث التاريخيه من بعض القبائل ابطال وتضعف قبائل اخري  ......مثل ما تعرضت له الكثير من القبائل والمدن الموريتانيه .

 

وعندنا في موريتان حين تكون السلطة بيد قبيله معينه وتتحول الي قبيله اخري ، فان الاولي تتهم الثانيه بـالحسد والاستبداد، والاضطهاد وتعتبر  جميع سياسات الدوله العدوانيه موجهه إليها ، وتضفي على نفسها صفات: "المظلومية، والمحرومية، والضحية". ولأن "الضحية" تكون مشحونة بالشعور بالحيف، فانه يحرّضها للآنتقام من .. وقد يتطور الحال الى انتقام متبادل يصل أحيانا إلي بعض النزاعات المصطنعه.. .

ولأن التحريض  هو دافع ناجم عن (التعصب)، فان علينا أخذ فكرة علمية عنه نختصرها بأن التعصب يعني اتجاها سلبيا غير مبرر أو عدائيا نحو فرد أو جماعة، مصحوبا بنظرة متدنية وحكما غير موضوعي، قائم على أساس العرق أو الدين أو القبيله أوالجنس.. .

كل ما ورد في اعلاه ينشأ (الصور النمطية Stereotypes) التي تعني: تعميمات غير دقيقة يحملها الفرد بخصوص جماعة معينة لا تستثني أحدا منها، تكون اما إيجابية يضفيها على نفسه وعائلته وقبيلته، أو سلبية يضفيها على القبائل الأخرى. والصور النمطية (Stereotypes) - مستعارة من عالم الطباعة وتعني القالب الذي يصعب تغيره بعد صنعه - تكون مؤذيه لثلاثة أسباب:

الأول: إنها تسلب قدرتنا في التعامل مع كل عضو في الجماعة على انه فرد بحد ذاته. فحين نحمل صورة نمطية عن جماعة، فإننا نميل إلى أن نتعامل مع كل عضو فيها كما لو كان شخصاً يحمل كل صفات الجماعة، بغض النظر عما إذا كان هذا الشخص يحمل تلك الصفات أم لا.

الثاني: إنها تقود إلى توقعات ضيقة بخصوص السلوك. فصورنا النمطية تقودنا إلى أن نتوقع بأن أفراد جماعة معينة سيتصرفون جميعهم من دون استثناء بطريقة معينة.

والثالث: إنها توجّه فكر صاحبها نحو تصور خاطئ، فيعزو الصفات الإيجابية إلى شخصه والى جماعته التي ينتمي إليها، ويعطي الصفات السلبية إلى الجماعة الأخرى التي يختلف عنها في القبيله او الدين او العرق، ومنها ينشأ التعصب الذي يؤدي في حالة حصول خلاف أو نـزاع بين جماعته والجماعة الأخرى 

 

الذي لا ندركه أن الصور النمطية تعمل فينا وتقرر سلوكنا بنشاط تلقائي (أوتوماتيكي). تأمل ذلك في مجتمعنا كموريتانيين عندما يتعّرف أحدهم على شخص يقول له انه من: قبيلة كذا مثلا، .. .، فأنه يتصرف معه بطريقة معينة، مما جعل التصنيف عاده سائده فمثلا تصنيفهم للناس على أساس: ( الجهه ،الولايه، المدينة، أوالقبيله ،العائله ، أو الجنس، أو العرق...) يشبه عملية قيادتهم للسيارة او شربهم للشاي.. أعني عملية تلقائية أو تعودية، تعمل على مستوى يكون خارج درايتنا به.

والذي لا ندركه أيضا، أن الصور النمطية تعمل ترابطات أو اقترانات وهمية بين أحداث أو موضوعات غير موجودة في الواقع، تدفعنا الى أن نعمل استدلالات نبني عليها أحكاما غير دقيقة . خذ، مثلا، الترابطات أو الاقترانات الوهمية التي تذكر عن بعض القبائل والعائلات  مثل الكرم ، الصلاح ،سرعة الغضب ،الشجاعه ،البخل الجبن ،........

 

في كتابه (سيكولوجيا الجماهير) ينبهنا (غوستاف لوبون) بقوله: "أن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلاّ واحداً، من دون أن تتحمل مناقشتها، ومايقوله لها الزعماء يغزو عقولها سريعاً فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملاً، ومايوحي به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به إلى التضحية بالنفس". ويضيف بان "الجماهير حتى لو كانت ديموقراطية  علمانية، تبقى لديها ردود فعل دينية، تفضي بها إلى عبادة الزعيم، والخوف من بأسه، والإذعان الأعمى لمشيئته".

واضاف  عالم الاجتماع السياسي (جيرارد) بقوله "ان التعصّب يكون معدياً في المجتمعات المحبَطة، وأن الفرد الذي يفتقد الفرصة الإيجابية قد يجد في الجماعات المتعصِّبة بديلاً من الممكن أن توفر له وظيفةُ ما، ومكانةً ما، ودوراً ما" وهذا بالفعل ما يحصل مع الكثير من الشباب من خلال انخراطه في حركات إرهابية متطرفه او غيرها والسياسيين الفاسدين منشغلين في تحليلات وحوارات لا تغني من جوع رغم ان المثقفين وأصحاب تخصص يشخصون العله ويدركون جيدا مكان الخطر لكنهم مغيبون ولا رأي لهم.

 

تابعنا على فيسبوك