عن لافتة حزب الإنصاف في سيلبابي ! / محمد الأمين الفاضل

أثارت لافتة حزب الإنصاف التي ظهرت مؤخرا في نشاط نظمه الحزب في مدينة سيلبابي جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، وتعليقا على ذلك الجدل ـ ومع الاعتذار مسبقا عن التأخر بسبب الانشغال في فاجعة دار النعيم ـ فإليكم تعليقي، والذي سأناقش من خلاله الموضوع من زوايا أخرى، وسأفتتح التعليق بالتذكير بنص المادة 66 من القانون رقم 017/2018 المنظم للإشهار.

تقول هذه المادة : " تصاغ رسائل الإشهار على عموم التراب الوطني باللغة الرسمية واللغات الوطنية حسب الجمهور المستهدف، مع وجوب مراعاة سلامتها نحويا، ويمكن استخدام لغات أجنبية عند الاقتضاء...وتكون اللغة الأجنبية وجوبا تحت اللغة الرسمية أو اللغات الوطنية إذا رتبت اللغات بشكل عمودي من الأعلى إلى الأسفل، وتكون اللغة الأجنبية على اليسار إذا رتبت اللغات أفقيا من اليمين إلى الشمال"؛
من الناحية الشكلية فقد كان من الأنسب أن تقول المادة من اليمين إلى اليسار بدلا من قولها من اليمين إلى الشمال."

وبخصوص المضمون، فيظهر من هذه المادة:
1 ـ أن كتابة اللغة الفرنسية على اللافتات ليست بالأمر الواجب، وهذا مما يجب أن يعلمه جميع منظمي الأنشطة الرسمية وغير الرسمية في بلادنا؛
2 ـ أن اللغات الأجنبية ـ وهذا مما يجب تكراره دائما ـ  لا تكتب على اللافتات وغيرها إلا عند الاقتضاء، فالأصل أن تكون اللافتة باللغة العربية فقط، ويمكن أن تُضاف إحدى لغاتنا الوطنية الأخرى حسب الجمهور المستهدف، وكان الأولى في حالتنا هذه إن كان لابد من إضافة لغة أخرى أن تكون اللغة المضافة هي السنونكية لا الفرنسية؛ 
3 ـ أن المادة 66 تحدثت عن لغات أجنبية، ولم تتحدث عن لغة أجنبية واحدة ومحددة. 
يعني هذا أنه إذا نظمت إدارة موريتانية ما نشاطا رسميا بالتعاون مع السفارة الأمريكية مثلا، فيمكن في هذه الحالة أن تكتب تلك الإدارة على لافتة النشاط  باللغة الإنجليزية بعد اللغة العربية، وأن تتجاهل كليا اللغة الفرنسية، وهي إن فعلت ذلك فلا يمكن اعتبارها قد خالفت قانون الإشهار؛
4 ـ أن وجوب مراعاة السلامة النحوية التي جاءت في المادة 66 خاصة باللغة العربية حصرا، وذلك لغياب النحو في لغاتنا الوطنية. أما اللغات الأجنبية فقد جاء ذكر السلامة النحوية من قبل أن تذكر تلك اللغات في المادة.
يظهر جليا من نص المادة 66  أنه لا يوجد أصلا ما يلزم حزب الإنصاف بكتابة اللغة الفرنسية على لافتة نشاطه في سيلبابي، وهو إن كتب اللغة الفرنسية عليها، وأخطأ في كتابتها، فلا شيء يترتب على ذلك قانونيا، أقول هذا لأني سمعتُ من يقول بأن سلطة تنظيم الإشهار قد بدأت تتحرك لمعاقبة حزب الإنصاف على لافتته المثيرة للجدل. 
لستُ ـ بطبيعة الحال ـ من دعاة "اتفلفيش" الذي عمت به البلوى، والإتقان بالنسبة لي أمرٌ مطلوب في كل الأحوال، و حتى عند مخالفة القانون، ولذا فقد كان على حزب الإنصاف بعد أن ألزم نفسه بأن يُترجم نص اللافتة إلى اللغة الفرنسية، كان عليه أن يحسن الترجمة ويتقنها، وأن يبتعد عن الترجمة السريعة من خلال الإنترنت.
المؤسف حقا أن استخدام الترجمة السريعة ودون أي تصحيح يستخدم في الغالب عند الكتابة باللغة العربية، ولكم أن تلقوا نظرة سريعة على اللافتات الإشهارية لواجهات المحلات والشركات في الأحياء الراقية، فستجدون أن الأخطاء لا تتوقف عند أخطاء ترجمة الإنترنت، بل إن الكثيرين لا يتعبوا أنفسهم بالترجمة، بل يكتفون فقط بكتابة الكلمة الأجنبية بالحرف العربي إمعانا في الاستهزاء باللغة الرسمية للبلد، ومع ذلك لا تجد من يَتَمَعَّرُ وجهه من ذلك.
المؤسف أكثر هو أن أسلوب الترجمة الذي استخدم في لافتة الإنصاف في سيلبابي هو نفس الأسلوب الذي يستخدم في الغالب عند ترجمة الوثائق الرسمية من الفرنسية إلى العربية، وهذا مما جعلني شخصيا أزهد في بعض الأحيان في المطالبة بالترجمة إلى اللغة العربية عند المشاركة في ملتقى أو ورشة تنظمها إدارة رسمية، وتوزع فيها وثائق باللغة الفرنسية فقط. 
عندما تطلب ترجمة الوثائق إلى العربية في حالة كهذه، تأتيك الوثائق مترجمة بأسلوب يُشابه كثيرا الأسلوب الذي اعتمده حزب الإنصاف في ترجمته  لافتته في سيلبابي إلى الفرنسية.
فلماذا أثارت لافتة الإنصاف في سيلبابي ضجة كبيرة، ولم تثر الأخطاء الإشهارية التي ترتكب يوميا في حق اللغة الرسمية للبلد أية ضجة؟
هناك أسباب عديدة لذلك لا يتسع المقام لتعدادها وبسطها، ولذا فسأكتفي بذكر أحد تلك الأسباب وهو أن التعود على أمر ما يؤدي إلى التعايش معه، ويصبح ـ بالتالي ـ  لا يلفت انتباه أي أحد.
وقد يصل مستوى التعود والتعايش إلى أن يصبح الخطأ عند الناس هو الصحيح، والصحيح عندهم هو الخطأ، وإليكم هذا المثال ذي الصلة القوية بما أريد إيصاله للقارئ الكريم من خلال هذا المقال.
في شهر أكتوبر من العام 2023 بدأنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية بتعريب لوحات ترقيم سياراتنا، تفعيلا للمادة الثامنة من المرسوم رقم 31/2017 المنظم لترقيم لوحات السيارات، والذي أعطى مثالا للترقيم السليم (0377 أب 10)، وقد نُشر ذلك في عدد الجريدة الرسمية رقم 1388 بتاريخ 30 مايو 2017. هذا المرسوم وإن كان قد نص على الكتابة باللغتين العربية والفرنسية في بطاقة تسجيل السيارة، إلا أنه بالنسبة للوحات السيارات اقتصر فقط على اللغة العربية.
عندما بدأنا في الحملة بتعريب لوحات ترقيم سياراتنا، اتهمنا البعض بمخالفة القانون، والمصيبة الأكبر أن بعض عناصر أمن الطرق كانوا يوقفون البعض منا بحجة مخالفة القانون، مع أن من يخالف القانون حقا هو غالبية الموريتانيين التي تضع على لوحات ترقيم سياراتها الحرف اللاتيني.
بشيء من العزيمة والصبر تجاوزنا تلك المرحلة، ولكننا ما زلنا حتى الآن نواجه تحديين اثنين:
أولهما : أن لوحات ترقيم السيارات الحكومية، والتي يفترض أن تكون هي الأكثر حرصا على تطبيق القانون، ما زالت تخالف القانون؛
ثانيهما : أن البعض ممن عرَّب لوحات ترقيم سيارته دعما لنا في الحملة استخدم الأرقام الهندية بدلا من الأرقام العربية، وهو ما أحدث تشويشا وإرباكا لنا في بعض الأحيان.
إن من تسبب أصلا في هذا الإرباك والتشويش هو الجهات الرسمية نفسها، فهي التي تُصِرُّ أن تجذر الازدواجية في كل شيء، في اللغة، وحتى في الأرقام، ولذا فإنكم تجدون الأرقام الهندية في الجانب العربي من بطاقة التعريف الوطنية وجواز السفر وبطاقة تسجيل السيارة وكل الوثائق الرسمية الأخرى، بينما تجدون الأرقام العربية في الجانب الفرنسي من تلك الوثائق.
وحتى البنك المركزي فقد اعتمد نفس الأسلوب في كتابة الأعداد على وجهي الأوراق النقدية، فكانت الأرقام الهندية على الجانب العربي، والأرقام العربية على الجانب الفرنسي. 
الطريف في الأمر أن الجانب العربي في ورقة خمسين أوقية جديدة التي أطلقها البنك المركزي بمناسبة خمسينية إصدار عملتنا الوطنية تظهر فيه الأرقام الهندية والعربية معا، فتجد عليه 50 و ٥٠ في نفس الوقت.
صحيح أن الأرقام الهندية لها جذورها العربية، وصحيح كذلك أن بعض دول المشرق العربي تستخدمها، حتى وإن كان استخدامها قد بدأ يتراجع في بعض تلك الدول. كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح أيضا هو أن الأرقام المستخدمة في الغرب حاليا هي أرقام عربية في الأصل، فلماذا لا نتخلص فورا من ازدواجية الترقيم في بلادنا، فنوحد الترقيم في وثائقنا الرسمية، فمن يدري فربما يساعدنا ذلك مستقبلا في التخلص من ازدواجية اللغة في إدارتنا الرسمية؟
 
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين الفاضل
[email protected]

j