"لا عدوى" في زمن العدوى!/ عثمان جدو

اثنين, 23/03/2020 - 16:08

كثير من الناس في هذه الأيام وفي غيرها من لحظات الخوف وانتشار الأوبئة؛ يعمد إلى إشاعة الخوف وزرع الفزع في قلوب الناس، وقد يحدث ذلك عن جهل أو تسرع لكن عن حسن نية؛ إن المتأمل في كثير من حلقات أو جلسات أو زيارات التذكير والتنبيه والتثقيف حول هذا الوباء المنتشر الآن (كورونا) -أعاذنا الله وإياكم منه ومن غيره- لا تفوته الملاحظات التالية: 1- وقوف بعض المتحدثين على الألفاظ وعدم الغوص في معانيها وبُعد دلالتها. 2- اقتطاع بعض الأحاديث أو النصوص التي يكون في أواخرها توضيح وكفاية أكثر من بدايتها التي اقتصِر عليها. 3- الإفراط في تسفيه الأخذ بالأسباب ومن ذلك: ( التهكم على غسل اليدين بالصابون، الاكتفاء بالتحية (السلام عليكم) الواجب ردها شرعا؛ بدل المصافحة المندوبة في الظروف الطبيعية، وكذلك القناع عند مخالطة أناس كثر في مكان تجمع مهما كانت طبيعته. من المهم جدا أن ندرك أن الشارع جل وعلا أمرنا بالأخذ بالأسباب، وندرك أيضا أن الأسباب لا تتنافى مع التوكل بل تؤكده، فالتوكل عزم في القلب والأخذ بالأسباب تحريك وعمل بالجوارح؛ ولنقف ونتأمل مع الأمثلة التالية: أ‌- قول الله تبارك وتعالى لمريم ابنت عمران : ( وهُزِّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا..) الآية. فالله تبارك وتعالى قادر على إنزال الرطب عليها دون تحريك ساكن؛ ثم إن هزّ النخلة يتطلب جهود رجال أشداء، لا تقدر عليه امرأة ضعيفة في أشد لحظات الضعف.. لكنها أسباب مطالب بها والمدبر هو الله جل جلاله. ب‌- ثم إن الصحابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيعقل ناقته فقط دون توكل أو يتوكل على الله ولا يعقلها؛ أمره صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين الأمرين، فيعقل الناقة ثم يتوكل على الله، في دلالة واضحة على ضرورة الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله الذي لا يقع أمر دون إرادته. ج- روي أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- رأى أناسا يطوفون بالبيت وقيل أنهم لا ينشغلون بشي عن العبادة أو ما معناه ذلك..وقيل له هؤلاء المتوكلون؛ أو قالوا له نحن المتوكلون، قال: كذبتم المتوكل من ألقى بذره في باطن الأرض وتوكل على الله، أو قال: من ألقى البذر في الأرض وانتظر الحصاد، كل حسب روايات مختلفة؛ المهم فيها أنه كذبهم في زعمهم التوكل لمّا تركوا الأسباب. وعندما نعود قليلا إلى الأحاديث أو النصوص التي ذكرنا في بداية هذه السطور أن بعض المتحدثين في هذه الأيام يقص منها أو يحجب أو يصرف المعنى عن حقيقته أو يتوقف عنه؛ نجدهم مثلا في تناولهم للأحاديث التي ذُكِر فيها المجذوم يتوقفون دون ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرار عنه كما نفر من الأسد ويتوقف أغلبهم عند ذكر بدابة الأحاديث ( لا عدوى او لا عدوى ولا طيرة) فقط، ويحاولون ما أمكن نفي العدوى متوقفين على اللفظ دون التعمق في الدلالة، ولقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري بسنده؛ قوله:( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد)، وأخرجه أبو نعيم في الطب في حديث الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: ( اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد) وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوكل عن عائشة - رضي الله عنها- بلفظ: ( لا عدوى، وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد). وأخرج مسلم معناه في الصحيح في آخر أبواب الطب من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا قد بايعناك فارجع). كل هذا الأمر بالتعامل مع المجذوم يؤكد على أن أخذ الحيطة بالابتعاد من أسباب السلامة، وأن كلمة لا عدوى لا تعني عدم انتقال المرض أو البلاء من كائن إلى آخر وإنما تؤكد أن الفعل لله وأن الأمر له من قبل ومن بعد؛ وفيها رد على اعتقاد الجاهلية الذي كان سائدا والقائل أن العدوى من الطبيعة، وبه يصرفون الفعل إلى غير الله تبارك وتعالى، ولذلك قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد حديثه عن العدوى: ( الإبل تكون في الصحراء كالغزلان فيدخلها بعير أجرب فيجربها) فقال له صلى الله عليه وسلم: من أعدى الأول؛ والمعنى أن الذي أنزل البلاء على الأول هو الذي أنزله في الآخرين، وتأكيدا على ذلك قال صلى الله عليه وسلم: لا يُورد ممرض على مصح. أي أن صاحب الإبل الجرب لا يقدم على صاحب الإبل الصحيحة قبل صدوره عن الماء، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن القدوم على أرض وقع بها الطاعون أو الخروج منها بعد وقوع البلاء بها. فكل بلاء واقع بإرادة الله وبتقديره، لكن علينا أن نعلم كما يقول أهل العلم والفضل أن البلاء لا ينزل إلا بذنب ولا يرتفع إلا بتوبة؛ وأن الدعاء في هذه الأيام أكثر إلحاحا من غيرها ونستحضر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: أن الدعاء والبلاء يعتلجان بين السماء والأرض إلى يوم القيامة، وأن البلاء لا يرد إلا بالدعاء، ونكثر من الصدقة فهي دافعة للبلاء ومطفئة للخطيئة التي هي رأسه وسبب نزوله. صحيح أن الأجل محدد وأنه إذا حان لا يتأخر ساعة ولا يتقدم كما نص على ذلك التنزيل المحكم، فكذلك أسباب الموت متعددة: من لم يمت بالسيف مات بغيره # تعددت الأسباب والموت واحد. لكن علينا أن نجعل نصب أعيننا القاعدة الشرعية الكلية المبنية على قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر و لا ضرار ) ونستلهم منها ما ينضوي تحتها من قواعد فرعية خاصة عندما يتعلق الأمر بنقل ضرر حلَّ بشخص إلى غيره مع إمكان تفادي ذلك ولو بتحمله لأذاه وحده، فالضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام. أخيرا: علينا أن نستوعب أن القوة لله وحده وأن الإنسان خلق ضعيفا، ومهما بلغ من التطور والتقدم العلمي يبقى عاجزا عن مجابهة أصغر مخلوقات الله التي لا ترى بالعين المجردة، وإن لم ييسر الله لخلقه مفاتيح التمكن منها والسيطرة عليها سيطول ليل ابتلائهم ويستمر عجزهم؛ وعلى *الملحدين* وأخص بالإشارة أولئك الذين خرجوا من مجتمعنا مؤخرا؛ أن لا يؤمنوا بهذا الوباء وأن لا يحترزوا منه لأنهم ببساطة لا يؤمنون إلا بما يشاهدون؛ فليخسأوا بجهلهم ولتحل عليهم لعنة إلحادهم علّنا لا نفقد غيرهم.      

إعلانات

 

 

 

تابعنا على فيسبوك