العمل السياسي من أكثر الأعمال حساسية وتعقيدا ، ففي خضمه تتشكل المسؤوليات والتكليفات بوضع الاستراتيجيات والتحليلات والدراسات في شتى مناحي الشأن العام .
وهو حاضنة الدربة على الرقابة والابتكار والمتابعة .
إنه باختصار ، بيئة التكوين والتأهيل لصناع الرأي والوعي وقادة الأمم .
والحزب السياسي هو الكيان المسؤول عن تهيئة القادة وتوعية الناس وتأطيرهم فكريا وحشدهم حول رؤية واعية للنهضة .
ويمكننا ببساطة أن نقيم القوانين المنظمة لهذه الأحزاب بناء على تجربتنا خلال العقود الثلاثة المنصرمة ، لنتمكن فعليا من قراءة واعية للإصلاح القانوني الذي أعلن عنه مؤخرا .
عشرات الأحزاب التي لا تتصف بالحد الأدنى من الوجود ناهيكم عن الفاعلية .
لا مقرات
لا خطاب
لا رؤية
لا نشاطات
ولا حتى أهلية فردية لأصحابها
لقد كان الشأن العام قبل هذه الإصلاحات مجرد سوق مفتوحة للتربح وبيع الترشيحات .
لم توضع هذه الأحزاب يوما أمام تحديات جادة من شأنها أن تفرز أصحاب الشغف والأهلية والاستعداد والقوة .
بل إنها - وبدلا عن ذلك - شجعت على أن تكون أداة لتدمير الديمقراطية وعرقلة التجربة والوعي الوطنيين .
أفرزت برلمانات مشلولة وصنعت سوقا لشراء الوجاهة المعنوية والنفوذ الطاغي وجعلت الوطن دولة بين الأغنياء والأغبياء .
ومسخت الأهلية السياسية إلى أهلية نفوذ ، ووأدت بذلك مسار الفكر السياسي المسؤول عن صناعة الوعي وتأهيل الرأى العام .
لقد نجح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في تمرير إصلاح استراتيجي كبير .
وعلى الرغم من المخاض العسير الذي مر به هذا الإصلاح إلا أن النتيجة كانت على قدر المسؤولية .
سيكون على المتطفلين وتجار المواقع والمواقف التفرغ لمهام تليق بإمكاناتهم وتناسب أهليتهم بعيدا عن التصدر للشأن العام .
وسيجد الشغف والأهلية السياسيين بيئة حاضنة للانضباط والعمل الدائم .
سيواجه الجادون تحديات تليق بالقادة ولا يستطيع مجاراتها ولا مواكبتها غير الصادقين .
ستشكل القوانين الجديدة أساسا فعليا للتنافس الجاد الذي يحتم ويفرض على الأحزاب أن تمتملك رؤية واضحة وقادرة على حشد الناس حولها ، لأن بقاءها سيكون مرهونا بحواضن شعبية تحمل وتتحمل أعباء قناعات سياسية واضحة .
سيخلق هذا القانون بيئة سياسية جادة ومسؤولة تتمتع بالحرية المطلقة في العمل والحشد ومقيدة بثوابت الأمة ومقدساتها .
أحزابا تمتد افقيا كرافعة وطنية تستمد قوتها من رؤيتها حواضنها الشعبية بعد أن كانت مجرد مراكز تمويل تستمد قوتها من جش
عها و نوع وكم الممولين