عَوْدةُ الْحديثِ عن المُحاصَصةِ القبليّةِ والجهويّة إلى الواجِهَة، مع اسْتِهْجانِ رئيس الجمهورية لهكذا خِطابْ، يُثيرُ التساؤل عن الأسباب والدوافع المُحفِّزةِ له في الوقت الراهن، على وسائل التواصل الإجتماعي؟
طِيلَةَ الْعقْديْنِ السابقيْن على العشريّةِ، مثّلَت المُحاصصةُ القبليّة والجهويّة، ثَابِتَ مُتغيِّراتِ توزيع الحقائب الوِزاريّة في مختلف التشكيلات الحكوميّة، ما يعني أن ساسَة المرحلة، آنئذٍ، اتّخذوا من المِعياريَّة القبليّة مَطيّتَهم المُثلَى لإعطاء كل مجموعةٍ من الحصص ما يتناسبُ مع ما تتّمتعُ به من مركزٍ تاريخيّ أو ثِقَلٍ انتخابيّ، إلا أنّ سَاسَةَ العشريّة، أغمضوا العيونَ - على ما يبدو - عن كلّ ذلك رافعين اليَافِطةَ لِمِعْيارياتٍ عديدةٍ، ليست النّزاهةُ والكفاءةُ والخبرةُ، أقلّها جاذِبيّةً وبريقاً، غير أنّ المُتتبِّع لِمقاساتِ التّشكيلات الحكوميّة في تلك الحِقبةِ، يلحظ، حسب بعضِ المراقبين، أن يافطة هؤلاء كانت مجردَ حقٍّ أريد به باطل، وأن ممارساتهم على الأرض بعيدةٌ كل البعد، عن اعتماد مبدأ تكافُؤِ الفرص بين فُرقاء المشهد الوطني، وإنما تمّت الإزاحة - كُلياً أو جُزئياً - لحضور بعض التشكيلات المجتمعية والكتل السياسية الوازنة من الشراكة في الكعكة الحكومية، رغم ما تتمتع به هذه التشكيلات من حضور تاريخي و ثِقلٍ اجتماعي وحجمٍ انتخابيٍّ، في حينٍ تقلّب غالبيّةُ رجالِ العشريّة في مناصب إداريّة وسياسيّة اعتماداً، فقط، على مُؤَهِّلِ الانتماءِ القبليّ أو الجهويّ. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن أكثر من أيِّ وقتٍ مضى هو: ما مدى تماهي الخَمْسِيّة الماضيّة وصِنْوتِها المُنطلِقة الآن مع ما تقَدّمَ عليهما من مِعياريّاتِ التشكيل الحكومي؟
تميزت حكومات الخمسيَّةٍ، المنصرمة، المتعاقبة الثلاث، بإِخراجٍ، جاء فيه تشكيلُ حكومة ولد بَدَّه مسكوناً، على ما يبدو، بالرغبة في استحضار الجهات والمُكوِّناتِ الوطنية أكثر من استحضارِ القبيلة، بينما تشبَّثت حُكومتَيْ ولد بلال أثناء التّشكيلِ بالكفاءة والخبرة، إلا أنهما، نَضَحَتاَ، وإِنْ بِتَفاوُتٍ، بحضورٍ قويٍّ ِللمُحاصصة بنوعيْها: القبلي والجهوي، ولم تتكافأ فيهما فرصُ الكُتل السيّاسيّة الداعمة لبرنامج رئيس الجمهورية، محمد الشيخ الغزواني، ففي حينٍ حظيّتْ بعضُ الكتل عند حكومَتَيْ ولد بلال، بكلِّ شيئٍ، كان الحِرْمانُ نصيبَ كُتلٍ أخرى، رغم تعاطي تلك الكتل، إيجاباً، مع الحكومةِ في كلِّ شيئٍ.
وقبل إزاحةِ السّتار عن التّشكيلة الوزاريّة الجديدة، حَبسَ الجميعُ أنفاسَه، تَحَسُّباً لِتشكيلة ترقَى لمستوى تطلُّعاتِ المطالبين بالعدالةِ والإنصافِ، من كافة فرقاء المشهد السياسي، وبعد الإعلان عن الحكومة، حُقَّ لنا جميعاً، أن نطرح التّساؤُلاتِ الآتية:
علَى أيِّ وترٍ مِعيارِيٍّ عَزَفت التّشكيلة الحكومية لمعالي الوزير مختار جاي ؟
الوتر القبلي، أم الحزبي، أم الجهوي، أم الوطني، أم الخبرةُ والكفاءة، أم أنها استأنست بكل هذه الأبعاد دون أن تعتمد واحدا بعينه ؟
ثم ما مدى قدرة الفريق الحكومي الجديد، على تصحيح وتجاوز اختلالات الماضي ؟
وهل يدرك هذا الفريق، بالقدر الكافي، أن رئيس الجمهورية يَتطلّعُ منهم لتجْسِيدِ العدالة والإنصاف، بقدرما يُطالبُهم بمحاربة الفساد وتمكين الشباب ؟