د. الصوفي ولد الشيباني يكتب: أليس الأولى تثمين المبادرة والمطالبة بالمزيد بدل التسفيه والتهجم؟

أثارت مبادرة اتحاد رجال الأعمال المتعلقة بتبني ميثاق يحدد المهور بمبلغ 50 ألف أوقية قديمة جدلا كبيرا في أوساط الرأي العام المحلي، كما واجهت الكثير من النقد والتسفيه والتهجم على أصحابها.

هذا النقد الذي طغى على ردة فعل الرأي العام، والذي تجاوز الحدود  في كثير من الأحيان، مرده في الأساس هو  أن ما ينتظره المواطن في المقام الأول من رجال الأعمال هو مبادرات تتعلق بتخفيض أسعار المواد الأساسية و قرارت تتعلق بالاستثمار في النشاطات المنتجة التي تسهم في توفير السلع وخلق فرص العمل، وهذا لا خلاف عليه وهو مطلوب منهم في كل الاوقات وخاصة في ظل ظروف كالتي يعيشها الكثير من مواطنينا.

غير أن ذلك لا يتنافى مع كونهم مواطنين يهتمون بمختلف المشكلات  الاخرى التي يواجهها المجتمع، و التي باتت تنخر كيانه وتتسبب في تآكل بنيته  الاجتماعيه، والتي يأتي في مقدمتها غلاء المهور والإسراف في المناسبات والاستهلاك التفاخري  وانتسار العنوسة والطلاق ومايترتب على ذلك من تداعيات وآثار سلببة مدمرة للمجتمع ومنهكة للاقتصاد.

إن نظرة موضوغية للمخاطر التي تهدد كيان محتمعنا وتهدم الأخلاق وتفكك الأسر وتفسد العقليات و  تسد الأفق أمام الشباب وتنشر الرذيلة والتفسخ والإنحلال بين صفوفه تقود لا محالة إلى أن غلاء المهور و الإسراف في الإنفاق  في المناسبات والاستهلاك التفاخري تأتي على رأس  الاسباب المؤدية إلى ذلك.

وبناء عليه فإن كل مبادرة تهدف إلى معالجة هذه المسألة أوالتخفيف من تأثيراتها السلبية على المجتمع ينبغي ان تكون محل ترحيب وترشيد ومباركة من الجميع خاصة أذا كانت صادرة عن جهة بأهمية وتاثير اتحاد ارباب العمل.

إن الذين يتهجمون على مبادرة هذا الإتحاد ربما لم ينتبهوا إلى قوة تاثير أعضائه واتساع دائرة المنتمين إليه، فهو يضم اتحادات رجال الأعمال  والتجار والاتحادات المهنية والمقاولون وغيرهم ، وهم يشكلون الفئة التي تملك  المال في المجتمع . كما أن الكثير منهم هم وأبناؤهم وأسرهم مسؤولون عن جزء كبير  من الإسراف والإنفاق الترفي في المناسبات الاحتماعية، هذا إضافة إلى دورهم ومسؤوليتهم عن انتشار ظاهره غلاء المهور وما يتبعها من ظواهر سلبية أخرى.

ومن هنا فإن ينبغي النظر إلى مبادرتهم بالتخلي عن كل ذلك على أنها تصحيح لسلوك كان يضر كثيرا بالمجتمع وبالتالي فهو عمل خير يذكر فيشكر.

ولو فرضنا أن جميع المنتسبين لاتحاد ارباب العمل والاتحادات والهيئات التابعة له ، إلتزموا بمضمون هذا الميثاق، فإن ذلك سيكون له تأثير إيجابي ملموس  في مجال الحد من غلاء المهور و الانفاق الترفي وانتشار العنوسة والطلاق  في صفوف النساء وهو ما سيسهم في تسهيل الزواح  والاستقرار الأسري وترشيد نفقات الأسر ....

إن تأثير طبقة رجال لأعمال والتجار و المقاولون وأصحاب  الأنشطة الانتاجية والخدمية في المجتمع هو تأثير كبير وخاصة في مجال الإنفاق والاستهلاك الترفي والإسراف في المناسبات؛ وبالتالي فإن إلتزامهم بميثاق اتحاد رجال الأعمال، الذي يلزمهم أخلاقيا ومهنيا، سيكون له الاثر الإيحابي الكبير في الحد من تلك الظواهر السليبة وسيشجع شرائح أخرى من المجتمع أن تحذو حذوهم.

وفي هذا الإطار فإنه ينبغي العمل على تفعيل نداء فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني منذ فترة لمحاربة  الإنفاق الترفي والإسراف في المناسبات وتبني خطاب رسمي وإعلامي مع خطوات ملموسة في نفس الاتجاه.

كما أنه ينبغي العمل على تشجيع فئات الموظفين السامين في جهاز الدولة والقطاع العام والمؤسسات والشركات الخاصة وكذلك التجمعات النقابية والمهنية والمجموعات القبلية على تبني مبادرات من هذا القبيل، وحينها سيحس الجميع بتعافي المجتمع من هذه الآفة الكارثية وسيلمسون نتيجة ذلك في ميزانياتهم الأسرية وفي ما سيصبح بإمكانهم توفيره من نفقات كانت تذهب لأغراض تتعلق بالمناسبات الاجتماعية وهو ما سينعكس على قدرتهم على إشباع المزيد من حاجاتهم التي لم يكونوا قادرين على إشباعها من قبل.  

ومن نافلة القول أن تثمين مبادرة ميثاق رجال الأعمال بخصوص تحديد المهور وتشجيع زواج الشباب العاطلين عن العمل لا يعني عدم مطالبتهم باتخاذ مبادرات  لتخفيض أسعار المواد الأساسية والتخلي عن الاحتكار و مضايقة صغار التجار والمقاولبن و توفير المزيد من فرص العمل للعاطلين مع ضمان حقوقهم وتأمينهم صحيا ومهنيا ورفع إجورهم، بل إن كل ذلك مطلوبا منهم. لكن عدم قيامهم به أو تأخرهم عن ذلك لا يبرر رفض كل مبادرة أخرى تصدر عنهم وتسفيهها والتهجم على أصحابها.

وتأسيسا على ما تقدم فإنه كان الأولى بالنخبة والمدونين والمتحدثين في الشأن العام تشجيع هذه المبادرة ودعمها ودعوة الجميع لتبنيها بدل تسفيهها والتهجم على أصحابها لأن المصلحة كالحقيقة من حيث ما جاءت فيجب الترحيب بها.

فليس ممنوعا على فئة من المجتمع ان تهتم بشأن من شؤونه وأن تسعى لخدمته في ذلك الجانب، كما ان الدعوة لخدمة المجتمع ليست حكرا على فئات اوجهات بعينها دون أخرى.

ثم إن الاعتراض على هذه المبادرة ينبغي ان يكون مؤسسا على انطوائها على سلبيات أو ضرر  تلحقه بالمجتمع ، فأي ضرر  ياترى سيلحق بالمجتمع  من جراء تبني رجال الاعمال والتجار و اصحاب الأموال وأوساطهم ومن يتأثرون بهم لميثاق يهدف إلى تخفيض المهور ووقف الاسراف في المناسبات وتشجيع زواح الشباب؟ بل إنه لو لم يكن لهذه المبادرة من إيجابية سوى الحد من تدفق الإنفاق الأعمى المتأتي من مصادر الأموال المجهولة وتلك المكتسبة بطرق غير شرعية الذي احتاج البلاد منذ فترة والذي دمر الأخلاق وأفسد العقليات وأضر أشد ما ضرر بالاقتصاد لكفاها ذلك.

عموما على المجتمع ان يشجع المبادرات المفيدة وأن يدعم أصحابها وأن يحرص على ترشيدها وزيادة فاعليتها ومردوديتها عليه، وليس مقبولا منه ان يقتل روح المبادرة الإيجابية لدى أفراده وكياناته ويشعرهم بأنهم ليسوا معنيين بالسعي للمساهمة في إيجاد حلول  لمشاكل المواطن ومعاناته.

 

j